- يحدثُ أن نتعلق بأقدارٍ لاتخصّنا .. أن نتعاطف مع أصحابها وَ نشعر أنّ مصائرنا نحن مُعلّقة بحبائل هذه الأقدار ..
أن نمتدّ بأكملنا داخل قصصٍ لم تُروَ بصوتٍ عالي .. نتشكّل في قوالب لم تكن يوماً لائقةً بنا ..
أن نتوق لنهاياتٍ لاتجيء وَ كلماتٍ لاتُقال .!
يحدُث أن تستعمرنا رغبةٌ جامحةٌ بالحديث وماأن نسعى لتلبيتها حتى نمتلئ برغبةٍ أقوى في الصمت .!
- وَ يحدث أن نرى انعكاساتنا على أشياء لاتخصنا .. على أشياء لاننتمي لها ..
على وجوهٍ لم تألفها نواظرنا ولم تعرفها أحداقنا ..!
كأن ترى وجهك في دقائق كَفّ أحدهم .. في تعرجات راحته وَ تشابك خطوطها .!
- ذات مرة رأيت وجهي على كف فتاة صغيرة .. كان كفّها خلاباً ..
كان أبيضَ ممتلئاً وَ مُخَضّباً بالحناء .. تفوح منه رائحة الجنة .. كان وجهي يومها فاتناً .!
- اؤمن بيقين العجائز وَ تصديق الأطفال لحديث أمّهاتهم أنّ غريزة الإنتماء غريزتنا الأعمق وَ الأطول .. والأكثر تجذراً داخلنا .!
ليس من شخصٍ يعيش في فراغ .. دون انتماء لأيّ شيءٍ في الدنيا .. وَ إن تشدّق في إثبات هذا .. أصدّق هذا تماماً .!
لهذا مثلاً يتقاتل الشعوب وَ تفنى الأرواح .. الإنتماء للأرض قبل الإنتماء للوطن
الإنتماء لـلـ تراب .. لأصل الخلقة ..
هُنا - في هذه المرحلة تحديداً - أنا مُعجبَة بوفائنا لأصلنا ..
وفائنا الذي ربما إن أدركه تكُبّر الإنسان فينا لنفاه بعيداً عنّا ..
وفائنا الذي ينام بسكينةٍ في أبعد مكان عن طبيعتنا الجاحدة .!
- الإنتماء للذات مرحلة عالية قلّما يصلُ لها أحدنا - بالشكل الصحيح -.!
أن تنتمي لذاتك يعني أن تستمع لها بإنصات وَ تسبح في ملكوتها بخفّة ..
أن تُحاوِرها بهدوء .. تحاول إقناعها إذا ماتمرّدت .. تصفعها إن لزم الأمر ..!
أن تُنَقّيها من كلّ شيء عداك .. أن تملئَها بحبّ من سوَّاها وَ كَوّنها وتعيش به ..
وتعيش لأجله ..
أن تُسرِج حولها سوراً منيعاً وَ تجعل مفتاح بوابته بيدك .. بيدك أنت .!
تُرَبّينا أمهاتنا بإخلاص ، وَ تستودع كُلّاً منهنّ في نفس كلّ أحدٍ منّا قدراً عظيماً من الحُبّ وَ الحنان ..
لكنّنا نحتاج أن نعرفنا من دون تدخّل أحد وإن كان أمهاتنا .. وأن نعرفنا يعني أن نُرَبّينا من جديد .!
وَ أن نُرَبينا من جديد يعني أن ننتمي لنا .. وَ إن طابقت تربيتنا تربية أمّهاتنا : فهذا يعني أنّنا نعيش الحياة الكاملة .!
لاشيء في الدنيا قد يُشبه بياضَ كَفّ الأمّ وَ لايكون مكتملاً طاهرا .!
- أُصَدّق أيضاً أنّ الأمنيات العظيمة تجعل منّا عُظماء ..
الأمنية التي نُودِع بذرتها قاع أرواحنا تنمو وإن كانت قاع أرواحنا مُجدبة .. تنمو لتطاول الغيم وَ تخطف أيادينا وَ تعلّمنا كيف نتسلّقها غصناً غصناً ..
الأمنية تلك .. تجعل أرواحنا مُزهرة .. خضراء .. تُحيلُ كُلّ ماحولها جنةً تسكنُ كُلاً منّا ..
من قال أنّ الأمنيات تبلى ؟! .. الهزيلة منها فقط تفعل .. أما العظيمة .. فتحيا طويلاً وَ تُحيينا ..!
بعض أمنياتنا خاصة تلك التي نُقاتل مَنْ نعلم أنّه يهتمّ بصدقٍ لأمرنا مِنْ أجلها : هي البداية الباهرة لنا .!
* - شيءٌ آخر - أخير :
لاأكتب من أجل أن يقرأني أحد بعينه .. أكتب استجابةً لشعور البهجة الذي يهمس لي طوال نهاري هذا ..
أحبّ جداً الأحرف حينما تنساق بهذه الإنسيابية .. حينما تتلبّسني الكتابة هكذا .!
لاأخجل أبداً أن أقول أنّي فَرِحةٌ لأنّي أكتب ، فَرِحَةٌ حينما أكتب .!
أحبّ جداً أن تخطر لي فكرة ، فأرى الكلام يتسلّق أغصان البوح وَ تُزهر .. وَ تُثمر ..!
أحِبّ أن أشتهي ثمرةً يانعة ولا أقطفها .. فقط أنظر إليها وأمتنّ لطرقها بالي بهذه الحميميّة .. أمتنّ لها بصدق
فـ أراها تستريح في راحتيّ ..!
الكتابة في هذه المرحلة وبهذه الطريقة .. كتابة أنانيّة حمقاء لكنّها فاتنة ..
تشبه جداً إصراري على حضور زفافٍ أسطوريّ لأناس لا أعرفهم من أعراق لا أنتمي لها ، وَ ربما لاأعرفها أيضاً .!
ولمّا أحضره لا أكون أنا .. أكون أخرى تستطيع التحليق وَ اقتباس أيّ شيءٍ من أيّ أحد ..
فأقتبس من هذا ضحكته الطويلة ومن هذا مشيته المتغطرسة ومن ذاك لهجته الركيكة ..
أكون كائناً يجلس في أقصى مقعدٍ عن بهرجة هذا العرس .. ليتفرّج فقط ..!
ليمتلئَ بكلّ ماحوله ، ثمّ ينفضُهُ - أو لاينفضُه .. وَ يمضي ..!
أنا كلّ هذا الآن .. وَ خليطٌ من أشياء أخرى ..
الحمامة البيضاء; توقيع العضو
|